JMDتعد اضطرابات النطق و اللغة من أكثر الاضطرابات التي تثير الحيرة في نفوس الناس وخصوصاً عندما لا تكون مصحوبة بإعاقة ما ، وذلك لقلة المعلومات المنتشرة في المجتمع حول أسبابها و طرق علاجها ، و تندرج اضطرابات النطق و اللغة في الأوساط الأكاديمية تحت مظلة التواصل .
و قد أنعم الله عز و جل على جميع مخلوقاته بنعمة التواصـــــــــــل ، و لأن الإنسان كائن اجتماعي فهو لا يستطيع الاستغناء عن التواصل مع أفراد مجتمعه ، و قد بدأ الإنسان التواصل مذ وجد على هذه البسيطة من خلال الرسومات ، و الإشارات ، و الرقصات ، و الأصوات ، و العديد من الوسائل الأخرى التي تعلوها وسائل التواصل اللفظي ( الكلام أو اللغة اللفظية ) ، و يستخدم البشر اللـــغة لتبادل المعلــــومات و الأفكار و المعارف والمشاعر وغيرها .
ويتم اكتساب هذه اللغة بشكل تلقائي خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الإنسان فإن تأخر الطفل في اكتساب اللغة عن المتوقع ممن هم في جيله فيجب مراجعة اختصاصي معالجة النطق لمعرفة السبب وعلاجه إن أمكن بأسرع وقت ممكن ، وهناك معايير كثيرة يضعها اختصاصي معالجة النطق نصب عينه لتقييم الوضع اللغوي للطفل .
و تظهر اضطرابات النطق و اللغة عند الأطفال عادة بسبب صعوبة في اكتسابهم للغة ، فبعض هؤلاء الأطفال لا يتكلمون على الإطلاق ، و بعضهم يتأخرون عن أقرانهم في مراحل اكتساب اللغة ، فما يكتسبه أقرانهم – مثلا – في عمر السنتين تجدهم يكتسبونه في عمر 3 أو 4 سنوات و هكذا ، و يمكن أن يظهر التأخر اللغوي لدى الأطفال في جميع الأعمار ، فمنهم من يتأخر في المناغاة أو البأبأة ، و منهم من يتأخر في إنتاج الكلمة الأولى ، و آخرون يتأخرون في تكوين الجمل و هكذا ، و كلما تقدم الطفل في العمر كلما أصبح الاضطراب اللغوي أكثر وضوحا .
و من الجدير بالذكر أن كثيرا من الأطفال ذوي الاضطرابات النطقية أو اللغوية لا يعانون من أمراض صحية أو جسمية أو إعاقات واضحة ، فمعظمهم يتمتعون بصحة جيدة و ذكاء طبيعي ، و لا يعانون من أية مشاكل من النواحي الفسيولوجية ، و هذا ما يدعو معظم الأطباء لتقديم النصح لأهالي هؤلاء الأطفال بالصبر ، و ذلك لثقتهم بأن هؤلاء الأطفال سيتمكنون من تجاوز هذه المشكلة دون تدخل علاجي ، و للأسف ، لا تفيد هذه النصيحة في كثير من هذه الحالات ، كما أن تأخر اللغة قد يكون مصاحبا لأمراض و إعاقات أخرى منها الواضح كالشلل الدماغي ، و الإعاقة السمعية ، و منها ما يحتاج إلى خطوات تشخيص أكثر دقة كالتخلف العقلي ، و التوحد .
و يعد السمع من أهم أعمدة التواصل البشري ، فهو مهم جدا لاكتساب اللغة أولا ، و من ثم فهو مهم في عملية استقبال الرسائل اللغوية من الآخرين للرد عليها ، و كذلك لا غنى عنه في عملية التغذية الراجعة ، و التي يستطيع المتحدث من خلالها أن يحكم على صحة الرسائل الصوتية التي ينتجها أثناء عملية التواصل .
و يذكر الباحثون أسبابا كثيرة لاضطرابات التواصل ، فمنهم من يعزوها لأسباب وراثية و جينية ، و منهم من يعزوها لأسباب بيئية ، و هناك من يربطها بالأسباب الاجتماعية ، و عليه فإن تنوع هذه الآراء و الأسباب المتوقعة يجعل على اختصاصي معالجة النطق مهمة تشخيص المشكلة ، و التعرف على أسبابها المحتملة – إن أمكن – كي يتمكن من وضع الخطة المناسبة لكل حالة بذاتها .
و لا تعتبر عملية تقييم و تشخيص اضطرابات النطق و اللغة سهلة ، و ذلك لتداخل الأعراض و الأسباب ، فقد يأتي طفلان إلى عيادة النطق و يظهر من الانطباع الأولي أنهما يعانيان من اضطراب متشابه في النطق ، إلا أن عملية التقييم الدقيقة قد تدل على أن السبب في الاضطراب لدى أحدهما هو سبب بيولوجي عصبي ، في حين أن السبب لدى الآخر لا يتعدى كونه سببا وظيفيا ، و بالتالي فإن الخطة العلاجية لكل طفل منهما ستختلف بالضرورة عن الآخر ، و على الرغم من فقر مجتمعاتنا العربية بأدوات التشخيص المعيارية المقننة في مجال اضطرابات النطق و اللغة ؛ إلا أن اختصاصي معالجة النطق يستطيع - من خلال أدواته الخاصة و علمه بهذا المجال إضافة لخبراته العملية - أن يؤدي هذه الوظيفة بشكل يقوده إلى إعداد الخطط العلاجية المناسبة لكل حالة على حدة .
د. ياسر فارس خليل
اختصاصي معالجة النطق و اللغة
مدير عام شركة البراءة للتجهيزات الطبية
الانتقال لصفحة شركة البراءة للتجهيزات الطبية