الحياة الجنسيّة هي وظيفة بدنيّة بامتياز، كوظيفة التنّفس أو الهضم، لكنّها أيضاً مصدر للتوازن النفسيّ والارتياح المعنويّ، وتمثّل أحد العناصر المهمّة في نوعيّة الحياة. وإن كان من المتفق عليه عبر السنين أنّ أهميّة الحياة الجنسيّة وتأثيرها هما في تغيّرٍ مستمر، إلاّ أنّها تبقى جزءاً لا يتجزّأ من كينونتنا البشريّة. وفي الواقع، هي المعيار لتحديد شيخوختنا، والرغبة في المحافظة عليها مفهومة تماماً. من هنا نتساءل عن الدور المساعد الذي تقدّمه الهرمونات في هذا المجال.
الحياة الجنسيّة تفترض وجود مكوّناتٍ عدّة متناغمة لكي تستمر: الحالة النفسيّة السليمة، العلاقة مع الشريك، والصحة البدنيّة المتكيّفة مع نمط حياةٍ محدّد. كما تستحوذ الحياة الجنسيّة على حيّزٍ كبيرٍ عند الرجال والنساء على حدٍّ سواء، فتبلغ نسبة الإهتمام لدى النساء 63% ولدى الرجال 83%. أمّا سوق الجنس، فيزاوله 90% من الرجال! من هنا جاءت فكرة أنّ الحياة الجنسيّة تختلف بفعل تأثير الهرمونات البيولوجيّة، عند الرجال والنساء على حدٍّ سواء. إلاّ أنّ ما نجهله هو أنّ الهرمون نفسه يمكن أن يؤثّر بشكلٍ مختلف وفقاً لجنس الفرد المعني.
قاعدة الهرم: هرمون التستوستيرون
يُعتبر هرمون التستوستيرون هرمون الرغبة الجنسيّة بامتياز، وهو مهم لاستمراريّة الحياة الجنسيّة وتحسين أدائها عند الرجال والنساء على حدٍّ سواء! ومع التقدّم في السنّ، تقلّ نسبة إفراز هذا الهرمون، لكن تأثيره لا ينحصر فقط على المستوى الجنسي، بل على العكس تماماً فإنّ المستويات العادية للتستوستيرون تؤثّر على الصحة العامّة للفرد، وبالتالي يوازن هذا الهرمون تقلّبات المزاج، ويساعد على الثقة في النفس ويجنّب اضطرابات النوم، كما يساهم في تناسق الحركات وقوّة العضلات، ويُجدّد صلابة العظام.
عند الرجال تحديداً، يُعتبر هرمون التستوستيرون مركز الرغبة الجنسيّة، وهو يعمل كمحرّك للنشاط الجنسي. أمّا على المستوى النفسي، فهو هرمون الجرأة، والسيطرة. وعلى المستوى الفيزيولوجي، إنّ التستوستيرون ضروريّ لنوعية الانتصاب وللمحافظة عليه. وتنخفض نسبة إفراز هذا الهرمون تدريجياً مع التقدّم في السنّ بإيقاعٍ مختلف بين رجلٍ وآخر.
في حين أنّ هرمون التستوستيرون يُغذّي الرغبة الجنسيّة عند النساء، اللواتي هنّ أكثر من الرجال حساسيّة تجاهه. وهذا الهرمون يُعتبر في أساس سلوك الإغراء والقبول الأنثوي، فمجرّد إثارة بسيطة تستتبع رغبة قويّةّ لدى المرأة. غير أنّ إفراز التستوستيرون يخفّ كثيراً قبل انقطاع الطمث، لكن يعود ويرتفع بعد هذه المرحلة.
ولا ينبغي أبداً أن تأخذ المرأة هذا الهرمون من دون إجراء الفحص الخاصّ بذلك. مع الإشارة إلى أنّ معالجة الأمر ذاتيّاً قد تكون خطيرة، لأنّ الإكثار من هذا الهرمون له عوارض جانبيّة مضرّة على الصحّة. فإستشارة اختصاصي أمر ضروري.
هرمون الإستراديول الأنثوي
من الناحية الأنثويّة، هرمون الإستراديول هو هرمون قويّ للغاية وله تأثير كبير على الحياة الجنسيّة. فعلى الصعيد النفسي، وبتفاعله مع بعض المرسلات العصبيّة الأساسيّة في الحياة الجنسيّة، كالسيروتونين والدوبامين والنوربينفرين، يخلق الشعور بالراحة ويقوّي تقدير الذات والإغراء الأنثوي. على الصعيد الفيزيولوجي، يؤمّن هرمون الإستراديول قوة انقباض العضلات وترطيب الأعضاء التناسليّة. أمّا الإنخفاض بنسبة هذا الهرمون، فيتسبّب بنشاف المهبل، ممّا يسبّب إزعاجاً وأوجاعاً جنسيّة، وهي خصائص انقطاع الطمث. وهرمون الإستراديول لدى الرجال يلعب دوراً مهمّاً، إذ يغذّي مخيّلتهم. ولا يُستغنى عن هذا الهرمون عند الجنسَيْن لبلوغ نشوة الجُماع. فإذا كان التستوستيرون هو الفتيل، فإنّ من يُشعل النار هو الإستراديول.
الـDHEA خزّان الهرمونات
هرمون DHEA هو الممّهد لعدّة لمنشّطاتٍ عدّة عند الرجل والمرأة على حدٍّ سواء. وغالباً هو مَن يساعد على استدرار إفرازات التستوستيرون. ونتيجة لذلك، فإنّ تغيّرات الـDHEA تؤثّر على رغبة المرأة الجنسيّة أكثر بكثيرٍ من الرجال. ويعتبر هرمون الـDHEA خزّان الهرمونات، بخاصّةٍ عند النساء، وهو هرمون ابتنائي يبلغ ذروته في مرحلةِ المراهقة، ويتراجع سريعاً بعد سنّ الأربعين. لكن يجب الانتباه كي لا نقع في فخّ العقاقير السحريّة الرائجة. فحسب دراسات تحليليّة، تبيّن أنّ استعمال الـDHEA عند النساء لتحسين أدائهن الجنسيّ لا يزال موضع شكّ، هذا إضافةً إلى أنّه من غير النافع أن نُتخم أنفسنا بتناول "التبولة" لأنّ الـDHEA ليس ذات جذور غذائيّة. فالإعتقاد السائد أنّ الـديوسجينين (الذي نجده في اليام البرّي وفي نباتات أخرى، كـفول الصويا والبقدونس) هو من سلائف الـ DHEA، لا أساس له من الصحّة.
الميلاتونين ونتائجها المعكوسة!
إنّ الدور الجنسي للميلاتونين يثير أكثر فأكثر اهتمام الباحثين. في الواقع، أثبتت بعض الدراسات الحديثة أنّ هذه المادة من خلال خصائصها التي تساعد على الإسترخاء وتوسيع الأوعية الدموية، تؤدّي إلى تحسين الأداء الجنسي، وبالتالي تسمح ليس فقط بالتخفيف من التشنّج، العدو المعروف لحياةٍ جنسيّة منطلقة، بل أيضاً بزيادة الرطوبة الأنثويّة للمهبل وبصلابة الانتصاب الذكوري. ولكن يجب الإنتباه من الإدمان على حبوب الميلاتونين، لأنّ النسب المرتفعة في تناوله تؤدّي إلى نتائج معكوسة: معيقة وكابحة.
البروجسترون، مصدر التوازن
هذا الهرمون موجود أيضاً عند الجنسَيْن، لكن نسبته تقلّ بشكلٍ سريع عند الرجل، الذي ونتيجةً لعدم التوازن الهرموني، فإنّ تناوله لجرعاتٍ عالية من هرمون البروجسترون يؤدّي إلى كبح الطاقة الجنسيّة لديه، وبالتالي عدم الخصوبة. أمّا بالنسبة إلى المرأة، فهذا الهرمون غالباً ما يبدو أساسيّاً لحياتها الإنجابيّة، بحيث إنّه يؤثّر على معدّل الإستراديول ويسمح بالتالي في تطوّر الدورة الشهريّة وتناغم الإباضة. هذا الهرمون، المهدّئ والمسكّن، يؤدّي إلى الاعتدال الذي يحارب التشنّج والتوتّر. لكن لسوء الحظ، تنخفض نسبة هرمون البروجسترون بسرعةٍ قبل انقطاع الطمث ويختفي كليّاً عند بلوغ سن اليأس.
هرمون الغدّة الدرقية: ضروريّ و لكن مهمل
هرمون الغدّة الدرقيّة هو عامّة ضروريّ، لكنّه غير كافٍ. فالنقص أو الفائض من هذا الهرمون سيكون له تأثير سلبيّ على الحياة الجنسيّة. وكل خلل فيه يقود إلى اضطراباتٍ في الطاقة الجنسيّة، وعدم قدرة لبلوغ نشوة جماع مرضية، وتأخير في القذف، وخلل في الإنتصاب عند الرجل. يُذكر أنّ مراقبة معدّل هذا الهرمون في الجسد هو أمرٌ ضروري.
الأوكسيتوسين، هرمون التعلّق بالآخر
لقد أثار هرمون الأوكسيتوسين في الآونة الأخيرة حديث الأطباء بعد اكتشاف تأثيره الحاسم على الحياة الجنسيّة. فهذا الهرمون عند وصوله إلى الدم، يبقى ناشطاً لمدّة ثلاث دقائق فقط. هو الذي يطلق انقباضات الولادة وآلية بلوغ النشوة الجنسيّة عند الرجال والنساء على حدٍّ سواء! يتمّ إفراز هذا الهرمون من المداعبات والملامسات، كما أنّ الروائح الجسدية الطيّبة تؤدّي إلى إفرازه. إنّه هرمون التعلّق الذي ينشأ بين الأم ووليدها، ويشدّ الرباط أيضاً بين الشريكَيْن جنسيّاً. ولكونه شديد الصلة بملذّات الحياة، من الأمومة إلى الحبّ، يبدو أنّ له أيضاً تأثيراً في إزالة القلق، ممّا يساعد على بناء علاقة جنسيّة في جوٍّ من الثقة.
البرولاكتين، هرمون الرضاعة
إنّ هرمون البرولاكتين معروف في الدور الذي يلعبه في التوازن الجنسي. يتمّ تصنيعه في الغدّة النخاميّة داخل الدماغ. وقد أظهرت الدراسات بوضوح أنّه أثناء بلوغ النشوة الجنسيّة يتمّ إفراز هرمون البرولاكتين بكثافة. وارتفاع نسبته يبقى لساعات عدّة ويساهم في الشعور بالرضى والإمتلاء طوال هذه الفترة. لكن، في حال كانت نسبة هذه الإفرازات مرتفعة جداً يمكن أن تؤدّي إلى إيقاف الطاقة الجنسيّة، وهذا ما يحدث للمرأة مثلاً بعد الولادة وأثناء فترة الرضاعة، كما يمكن أن ترتفع نسبة البرولاكتين عند الرجل أيضاً. وفي حالة التوقف القويّ للرغبة الذكوريّة (كما في الحالة الأنثوية) يجب تعديل نسبة البرولاكتين في الجسم. فالمعالجة المناسبة للفائض من البرولاكتين تسمح بالعودة إلى الوضع الطبيعي.