JMDيعتبر الكلام وسيلة مناسبة جداً للتعبير عن شخصية المرء ، و أحد العوامل التي تساهم في درجة التقبل الاجتماعي ، فهناك علاقة قوية بين قوة الشخصية و القدرة على التعبير ، و هذا يبرز قدر المشكلة التي يشكو منها الأفراد الذين يعانون من اضطراب في الطلاقة اللفظية و انسياب الكلام ، لأن مثل هذا الاضطراب سيؤثر في قدرتهم على التعبير عن أفكارهم و عن أنفسهم بالشكل الذي يرضيهم .
و تعد التأتأة - التي هي من أهم اضطرابات الطلاقة اللفظية ، و أكثرها انتشاراً - إحدى معوقات التقبل الاجتماعي ، و يشير مصطلح التـــــأتـــــــــــــأة أو التلعثم (Stuttering) إلى اضطراب في الطلاقة اللفظية يعيق تدفق الكلام فيبدو متردداً و متكرراً و سريعاً مصحوباً بتشنجات في عضلات التنفس و الوجه ، و يؤثر هذا الاضطراب في نوعية الحياة التي يعيشها الفرد ، فالاستمتاع في الحياة ، و التواصل مع الآخرين ، ومشاركة الآخرين خبراتهم ، وقبول و تقدير الذات و غيرها تعد مشكلات أساسية تواجه الفرد الذي يعاني من التأتأة.
و تنتشر التأتأة في جميع أنحاء العالم ، و في جميع الثقافات و الأعراق ، و ليست مرتبطة بالوظيفة أو الذكاء أو الدخل الاقتصادي ، كما أنها تصيب كلا الجنسين في جميع الأعمار من الطفولة و حتى الشيخوخة ، و هي اضطرابات قديمة فهناك دلائل على وجودها في جميع الحضارات القديمة كالحضارة الصينية ، و المصرية ، و حضارة ما بين النهرين أي ما يزيد على 40 قرناً من الزمان.
و كثيراً ما يسأل الناس عن الأسباب المؤدية لحدوث هذه الاضطرابات ، و لكن الباحثون يؤكدون على أن هناك العديد من العوامل التي قد تكون سبباً محتملاً لحدوث التأتأة ، و من ضمنها الأسباب العصبية و الفسيولوجية ، و الأسباب النفسية و الاجتماعية ، و حتى أن الأسباب اللغوية قد تكون سبباً في حدوث التأتأة و استمرارها .
و تظهر التاتأة عادة في الطفولة المبكرة ، و قد يعود هذا لسبب وراثي ، إلا أن العوامل الأخرى كالبيئة تلعب دوراً هاماً في استمرار حدوث التأتأة و تطورها ، و قد تصبح هذه العوامل أكثر أهمية في المراحل اللاحقة لهذا الاضطراب ، فالتأتأة تزداد شدة تبعاً لرد فعل الأهل و المجتمع ، و ذلك بسبب التوتر الذي يفرضونه على الفرد الذي يعاني من التأتأة ، و كذلك التعليقات و التلميحات التي تؤثر في نفسية هذا الفرد، و تزيد من توتره و تضعف قدرته على السيطرة على كلامه مما يزيد الأمر سوءاً.
و مع تقدم العمر يتعلم الفرد الذي يعاني من التأتأة أساليب كثيرة للتخفيف من الأعباء النفسية التي تفرضها التأتأة عليه ، و منها تحديد وظيفته المستقبلية ، فهو يفضل وظيفة مكتبية بعيدة عن التواصل المباشر مع الناس و ذلك لتخفيف معاناته أثناء الكلام ، كما يحد من عدد أصدقائه ، كما أنه يقوم بحذف بعض الكلمات التي يرى أنها مرتبطة بظهور التأتأة لديه من حصيلة مفرداته اللغوية .
أما بالنسبة للعلاج فكثير من الحالات تشفى تلقائياً في مرحلة الطفولة المبكرة ، و بعضها تشفى بمجرد إرشاد الأسرة إلى الطريقة الصحيحة في التعامل مع مثل هذه الحالات ، و كلما كان اكتشاف المشكلة مبكرا أكثر كان العلاج أسهل ، و لكن العلاج سيكون أصعب مع تقدم العمر و ازدياد شدة المشكلة.
و لا تعتبر عملية تقييم و تشخيص التأتأة سهلة ، و ذلك لتداخل الأعراض و الأسباب ، و على الرغم من فقر مجتمعاتنا العربية بأدوات التشخيص المعيارية المقننة في مجال التأتأة ؛ إلا أن اختصاصي معالجة النطق يستطيع - من خلال أدواته الخاصة و علمه بهذا المجال إضافة لخبراته العملية - أن يؤدي هذه الوظيفة بشكل يقوده إلى إعداد الخطط العلاجية المناسبة لكل حالة على حدة .
د. ياسر فارس خليل
اختصاصي معالجة النطق و اللغة
مدير عام شركة البراءة للتجهيزات الطبية
الانتقال لصفحة شركة البراءة للتجهيزات الطبية