تتزايد النفايات التي ينتجها العالم بوتيرة متسارعة مع ارتفاع عدد سكان المدن والأنشطة الصناعية، وهو ما يجعلها على رأس الهواجس التي تؤرق الخبراء المهتمين بحماية البيئة. ومع استحالة إيجاد حل جذري لهذه المشكلة، يأمل الكثيرون أن يُحدث استغلال بعض التقنيات المستقبلية ثورة تقلب الأمور رأسا على عقب وتؤسس لإدارة ذكية للنفايات وتحولها إلى مصدر للثروة على المدى البعيد.
في الأعوام الأخيرة، وحسب تقرير لـ البنك الدولي ولدت مدن العالم حوالي 1.3 مليار طن من النفايات الصلبة سنويا. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الكميات إلى 2.2 مليار طن بحلول عام 2025. وخلال هذه الفترة سيقفز عدد سكان المدن في العالم من حوالي ثلاثة مليارات حاليا ينتج كل فرد منهم ما معدله 1.2 كلغ من النفايات يوميا إلى حوالي 4.3 مليارات بمعدل إنتاج يومي للنفايات يصل إلى 1.42 كلغ لكل فرد.
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدول للتخلص من هذه النفايات أو الحد من مخاطرها إما بتدويرها أو حرقها أو استغلالها في إنتاج الطاقة أو المجال الزراعي، فإن هذه الجهود لم تنجح سوى في تأخير اليوم الذي ستتحول فيه الأرض إلى كوكب للنفايات.
لكن الخبراء يعتقدون أنه بالإمكان تدارك الأمر على المدى الطويل من خلال إنشاء وظائف مبتكرة في الإدارة الذكية للنفايات بالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة على غرار إنترنت الأشياء وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المعروفة بـ "آلة إلى آلة" (M2MM) التي تتيح للآلات الاتصال سلكيا ولاسلكيا بأنظمة المعلومات بشكل آلي دون تدخل بشري.
وستساهم هذه التقنيات -إذا ما تم استغلالها في المراحل المختلفة لتوليد النفايات بداية من مرحلة التصنيع إلى ما بعد الاستهلاك- في الحد من كميات النفايات قبل مرحلة المعالجة من ناحية، وفي زيادة كفاءة التصرف في النفايات من ناحية أخرى.
إدارة ذكية للنفايات
ويتعلق الجانب الأول من الإدارة الذكية للنفايات بالكم الهائل الذي يُنتج يوميا وكيفية الحد منه. ويعتقد خبراء البيئة أن الشركات والمستهلكين يقومون برمي مئات ملايين من الدولارات في القمامة بسبب سلوكيات استهلاكية غير رشيدة. إذ تؤكد دراسة أميركية على سبيل المثال أنه بالإمكان خفض كميات النفايات بحوالي 30% في الولايات المتحدة إذا قام المستهلكون بعمليات شراء "فعالة" أي شراء ما هو ضروري وفي الوقت المناسب.
وهنا يمكن لتطبيقات "آلة إلى آلة" أن تلعب دورا هاما من خلال إتاحة تتبع المواد المصنعة أو المنتجة بداية من مرحلة التصنيع أو الإنتاج إلى مرحلة الاستهلاك، وبالتالي حساب معدل التدفق المنتظم لكل مادة في الأسواق مما يتيح تزويدها بالكميات المناسبة دون تعرض كميات منها للتلف بسبب تشبع الأسواق أو إحداث نقص في التزود بها.
ويمكن للثلاجات الذكية المرتبطة بإنترنت الأشياء قراءة البيانات المتعلقة بالمنتجات المتوفرة بداخلها، وتنبيه المستهلك عند قرب انتهاء آجال الاستهلاك. كما تسعى العديد من الشركات إلى تطوير ما يطلق عليه التغليف الذكي للمنتجات الاستهلاكية يمكنه التفاعل حسب الظروف الخارجية كالحرارة والرطوبة لضمان سلامة المنتج بداخله، إضافة إلى توفير معلومات دقيقة للمستهلك من خلال ملصقات متغيرة اللون حسب حالة البضاعة. وهذه التقنيات وغيرها ستساهم في بناء سلوك استهلاكي أكثر فعالية وأقل إنتاجا للقمامة.
الجانب الثاني من الإدارة الذكية للنفايات يتمثل في زيادة كفاءة خدمات إدارة النفايات مع اختصار الوقت وتوفير الطاقة اللازمة لذلك. فنادرا ما تتمكن الشركات أو المصالح المكلفة بالمدن من رفع القمامة في الوقت المناسب عند امتلاء أوعية القمامة، وكثيرا ما ترفعها من أوعية شبه فارغة أو تجاوزت كمياتها سعة الأوعية بمرات عديدة.
وتقول الشركة إن هذه الزيادة في الكفاءة تمكن من خفض تكاليف رفع وتجميع القمامة بنسبة تصل إلى 50%.
روبوتات لفرز النفايات
ولا يقتصر الدور المستقبلي للتكنولوجيا على الحد من النفايات وتطوير إدارتها بل يتعداها إلى مراحل الفرز التي تمثل معضلة كبيرة نظرا إلى أن جل المستهلكات تتكون من مواد مختلفة وتعتبر عملية فصلها مضنية ومعقدة، ويعتقد خبراء البيئة أن هذه المسألة يمكن حلها في المستقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وتوقع تقرير أصدرته مؤسسة فيوليا -بالتعاون مع مدرسة لندن للاقتصاد حول مدن المستقبل في أفق سنة 20500- أن يتيح استغلال الروبوتات النانوية فرز النفايات ليس فقط للتخلص من نسبة هامة من القمامة وتأثيرها السلبي على البيئة بل كذلك توفير مصدر جديد للمواد الأولية التي يمكن استعمالها في مختلف الأغراض، وهو ما يخفض الضغط على الموارد الطبيعية المستنزفة.
وتتمثل الطريقة التي ستعتمد في ذلك بطحن النفايات إلى أجزاء صغيرة جدا ثم استعمال روبوتات مجهرية لها القدرة على تحليل الخواص الكيميائية والفيزيائية للمواد ومن ثم فصلها. وستمكن هذه التقنية من إنتاج مواد ذات نقاوة عالية جدا من بينها المعادن الثمينة والنادرة التي يمكن إعادة استعمالها في الصناعات الدقيقة.
هذه التجارب وغيرها -التي توظف التكنولوجيا المتقدمة لإيجاد حلول لمشكلة النفايات- تدفع الكثير من المتفائلين إلى الاعتقاد بأنها ستقلب النقمة إلى نعمة خلال العقود القادمة. فالقمامة -التي تمثل اليوم مشكلة بيئية وصحية وعبئا اقتصاديا يستنزف الموارد الطبيعية- قد تتحول بفضل التقنيات الحديثة والإدارة الذكية إلى منجم للمواد الأولية للكثير من الصناعات وأحد أهم القطاعات الاقتصادية في المستقبل.
reference:aljazeera.net