دور طبيب الأسرة في الرعاية الوقائية / د. أنس المحتسب

JMDيمكن إدراك أهمية الرعاية الوقائية من خلال التعرف على شيء من تاريخ الأمراض وطبيعتها على مستوى العالم. فقبل بضعة عقود كانت الأمراض المعدية السبب الأساسي للوفاة عالميا وخاصة لدى الأطفال، إلا أن التطور في الرعاية الوقائية وخاصة من خلال لقاحات الأطفال تسبب بانخفاض كبير في تلك الأمراض لدرجة أن بعضها تم القضاء عليه تماما، فعلى سبيل المثال أعلنت منظمة الصحة العالمية عام 1980 القضاء على مرض الجدري Smallpoxبشكل كامل.

الانخفاض الكبير في الأمراض المعدية أدى إلى إزاحة في طبيعة الأمراض المسببة للوفاة عالميا، لتتصدر أربعة أنواع من الأمراض أكثر أسباب الوفاة في معظم دول العالم، وهي: أمراض القلب والأوعية الدموية، ومرض السكري، وأمراض السرطان، والأمراض الرئوية المزمنة.

هذه الأمراض تشترك في كونها غير معدية، وأنها مزمنة أي تحتاج وقتا طويلا حتى تظهر، وكذلك فهي ذات تكلفة اقتصادية عالية ومتراكمة مع الزمن على مستوى الفرد وعلى مستوى الدولة.وكذلك تشترك هذه الأمراض الأربعة في عوامل الخطورة المسببة لها والتي يمكن تعديلها، وهي التدخين، والغذاء غير الصحي، والخمول البدني، وشرب المسكرات (الكحول). وعوامل الخطورة هذه تؤدي إلى عوامل خطورة وسيطة مثل: ارتفاع سكر الدم، وارتفاع ضغط الدم، واعتلال الدهنيات، وزيادة الوزن والسمنة.

في هذا السياق تسجل منطقتنا العربية أرقاما مفزعة حقا، فمثلا هنالك ثلاثة دول عربية من أعلى 10 بلدان بنسبة انتشار مرض السكري لعام 2013 على مستوى العالم-بحسب أطلس الاتحاد الدولي لداء السكري-. فإذا ما أضفنا إلى ذلك عودة بعض الأمراض المعدية –مثل شلل الأطفال الذي بدأ في سوريا وانتقل إلى المنطقة- تصبح الحاجة ملحة للرعاية الوقائية أكثر من أي وقت مضى.

ولا يخفى للقارئ أن نمط الرعاية الوقائية الذي تحتاجه الأمراض غير المعدية يختلف كليا عما تحتاجه الأمراض المعدية؛ فالأمراض المعدية يمكن إجراء الرعاية الوقائية لها من خلال حملات تطعيم على مستوى كبير وخلال فترة محدودة، ويمكن لمس آثارها خلال فترة قصيرة. أما الأمراض المزمنة غير المعدية فتحتاج تغييرا في نمط الحياة للتقليل من عوامل الخطورة، وتحتاج اكتشافا مبكرا للأمراض وعلاجا لها في بداياتها قبل أن تتفاقم، فضلا عن أن عائدها يحتاج سنينا حتى نلمس أثره.

هنا يبرز دور طبيب الأسرة وتبرز مبادئ طب الأسرة التي تأتي ملائمة لهذه المهمة وخاصة للأمراض غير المعدية. فالاكتشاف المبكر للأمراض، وعلاجها قبل ظهور مضاعفاتها، وتعديل السلوكيات غير السليمة وبالتالي تعديل عوامل الخطورة كلها مبادئ أساسية في تخصصنا. وكذا فإن طبيب الأسرة يعالج هذه الأمراض وغيرها ويرى مريضه عدة مرات في السنة الواحدة (شمولية العلاج واستمراريته)، وبالتالي تسمح له الفرصة بمتابعة هذه الأمراض وعوامل الخطورة المسببة لها بشكل مستمر، وهذا ينعكس إيجابا على مستوى التزام المريض بنصائح الطبيب وتعليماته. ولكون طبيب الأسرة يعالج كل أفراد العائلة فإن نصائحه لا تكون محصورة في الفرد بل في عائلته جميعا، خاصة مع وجود عوامل الخطورة الوراثية.

وللأسف فإن كثيرا من الناس يلجأ إلى إجراء فحوصات مخبرية شاملة (Checkup) من باب الرعاية الوقائية، علمابأن كثيرا منها لا داعي له، وأن الرعاية الوقائية لا تقتصر على الفحوصات المخبرية. في المرات القادمات بإذن الله، سننشرتباعا التوصيات الطبية بخصوص الرعاية الوقائية للأمراض المزمنة وغير المزمنة، وسنعتمد بشكل أساس على ما تنشره  فرقةالخدماتالوقائيةالأمريكية (USPSTF) من مبادئ توجيهية بهذا الخصوص، فتابعونا..

 

د. أنس المحتسب

عيادة طب الأسرة

 

الانتقال لصفحة الدكتور أنس المحتسب

 

المواد المنشورة في موقع الدليل الشافي

هي بمثابة معلومات فقط ولا يجوز اعتبارها

استشارة طبية أو توصية علاجية. 

    

تسجيل