التـــــأتـــــــــــــأة أو التلعثم / د. ياسر خليل

JMDيعتبر الكلام وسيلة مناسبة جداً للتعبير عن شخصية المرء ، و أحد العوامل التي تساهم في درجة التقبل الاجتماعي ، فهناك علاقة قوية بين قوة الشخصية و القدرة على التعبير ، و هذا يبرز قدر المشكلة التي يشكو منها  الأفراد الذين يعانون من اضطراب في الطلاقة اللفظية و انسياب الكلام ، لأن مثل هذا الاضطراب سيؤثر في قدرتهم على  التعبير عن أفكارهم و عن أنفسهم بالشكل الذي يرضيهم .

و تعد التأتأة - التي هي من أهم اضطرابات الطلاقة اللفظية ، و أكثرها انتشاراً - إحدى معوقات التقبل الاجتماعي ،  و يشير مصطلح التـــــأتـــــــــــــأة أو التلعثم (Stuttering) إلى اضطراب في الطلاقة اللفظية يعيق تدفق الكلام فيبدو متردداً و متكرراً و سريعاً مصحوباً  بتشنجات في عضلات التنفس و الوجه ، و يؤثر هذا الاضطراب في نوعية الحياة التي يعيشها الفرد ، فالاستمتاع في الحياة ، و التواصل مع الآخرين ، ومشاركة الآخرين خبراتهم ، وقبول و تقدير الذات و غيرها تعد مشكلات أساسية تواجه الفرد الذي يعاني من التأتأة.

و تنتشر التأتأة في جميع أنحاء العالم ، و في جميع الثقافات و الأعراق ، و ليست مرتبطة بالوظيفة أو الذكاء أو الدخل الاقتصادي ، كما أنها تصيب كلا الجنسين في جميع الأعمار من الطفولة و حتى الشيخوخة ، و هي اضطرابات قديمة فهناك دلائل على وجودها في جميع الحضارات القديمة كالحضارة الصينية ، و المصرية ، و حضارة ما بين النهرين أي ما يزيد على 40 قرناً من الزمان.

و كثيراً ما يسأل الناس عن الأسباب المؤدية لحدوث هذه الاضطرابات ، و لكن الباحثون يؤكدون على أن هناك العديد من العوامل التي قد تكون سبباً محتملاً لحدوث التأتأة ، و من ضمنها الأسباب العصبية و الفسيولوجية ، و الأسباب النفسية و الاجتماعية ، و حتى أن الأسباب اللغوية قد تكون سبباً في حدوث التأتأة و استمرارها .

و تظهر التاتأة عادة في الطفولة المبكرة ، و قد يعود هذا لسبب وراثي ، إلا أن العوامل الأخرى كالبيئة تلعب دوراً هاماً في استمرار حدوث التأتأة و تطورها ، و قد تصبح هذه العوامل أكثر أهمية في المراحل اللاحقة لهذا الاضطراب ، فالتأتأة تزداد شدة تبعاً لرد فعل الأهل و المجتمع ، و ذلك بسبب التوتر الذي يفرضونه على الفرد الذي يعاني من التأتأة ، و كذلك التعليقات و التلميحات التي تؤثر في نفسية هذا الفرد، و تزيد من توتره و تضعف قدرته على السيطرة على كلامه مما يزيد الأمر سوءاً.

و مع تقدم العمر يتعلم الفرد الذي يعاني من التأتأة أساليب كثيرة للتخفيف من الأعباء النفسية التي تفرضها التأتأة عليه ، و منها تحديد وظيفته المستقبلية ، فهو يفضل وظيفة مكتبية بعيدة عن التواصل المباشر مع الناس و ذلك لتخفيف معاناته أثناء الكلام ، كما يحد من عدد أصدقائه ، كما أنه يقوم بحذف بعض الكلمات التي يرى أنها مرتبطة بظهور التأتأة لديه من حصيلة مفرداته اللغوية .

أما بالنسبة للعلاج فكثير من الحالات تشفى تلقائياً في مرحلة الطفولة المبكرة ، و بعضها تشفى بمجرد إرشاد الأسرة إلى الطريقة الصحيحة في التعامل مع مثل هذه الحالات ، و كلما كان اكتشاف المشكلة مبكرا أكثر كان العلاج أسهل ، و لكن العلاج سيكون أصعب مع تقدم العمر و ازدياد شدة المشكلة.

و لا تعتبر عملية تقييم و تشخيص التأتأة سهلة ، و ذلك لتداخل الأعراض و الأسباب ، و على الرغم من فقر مجتمعاتنا العربية بأدوات التشخيص المعيارية المقننة في مجال التأتأة ؛ إلا أن اختصاصي معالجة النطق يستطيع - من خلال أدواته الخاصة و علمه بهذا المجال إضافة لخبراته العملية - أن يؤدي هذه الوظيفة بشكل يقوده إلى إعداد الخطط العلاجية المناسبة لكل حالة على حدة .

 

د. ياسر فارس خليل

اختصاصي معالجة النطق و اللغة

مدير عام شركة البراءة للتجهيزات الطبية

 

الانتقال لصفحة شركة البراءة للتجهيزات الطبية

 

المواد المنشورة في موقع الدليل الشافي

هي بمثابة معلومات فقط ولا يجوز اعتبارها

استشارة طبية أو توصية علاجية. 

    

تسجيل